حقيقة الإنسان حقيقة روحانية جسدية

majalahnabawi.com – في الغالب نشعر بأن عمل الجسد من الجوارح هو الأحد الذي يملك أنفسنا على فعل الشيئ. وغالب الناس إنما مايهتمون به هو العمل الظاهر. وفي الواقع ليس كذالك. أن الأعمال الباطنية شيئ أكثر أهمية للإنسان وهذا مايفقده مفهوم الإنسانية ما يصدره الغرب حتى يظهر مظاهر الأزمة الإنسانية بفقدان عنصر عظيم في هذه الحضارة ما يسمى بالحضارة الإنسانية.

في الحقيقة أن أفعال القلب في الباطن تؤثر في الجسد والجوارح، وكذالك ما عملنا من الأعمال الجسدية يؤثر في القلب فيؤثر بعضهما بعضا في واقع الحياة، فعمل القلب والجسد وحدة ما يجب أن نهتم بها. كما قال الشاعر في بحر الرجز عن هذه الحقيقة الإنسانية الروحية الجسدية:

حَقِيْقِةُ الإنسانِ فيْمَا يُبْطَنُ # سِيْمَتَه رَأَيْتَ ممِّايَظْهَرُ
ومَنْ يعوِّدْ نَفْسَه مايَحْسُنُ # يَصْلُحْ لَهُ بَاطِنُهُ وَيَطْهُرُ

هذان البيتان الشعريان يدلّان على أن حقيقة حياة الإنسان هي حقيقة باطنية ولها علاقة قوية بحقيقة جسدية حتى تتأثرين هاتان الحقيقتين بين الأولى والأخرى.

الارتباط بين الروح والجسد من السر الإلهي الذي لا نقدر أن نصفه

كما علمنا أن الجسد بدون الروح هو جثة لا تجدي، وما كان من الارتباط والتعامل بين الروح والجسد هذا هو من السر الإلهي ما لانصفه في عقلنا الإنساني المتصف بالضعف والقصور بأية صور كانت.

ولو أن هناك البحث العلمي من جميع أهل علم النفس إنما هم يكتشفون ما من حيث الظاهر فحسب ومن جميع أعراض نفس الإنسان الظاهري ولا يقدرون على اكتشاف هذا الترابط من حقيقة أمره لأن الله هو الفاعل الحقيقي وهذا من السر الإلهي مايكون فى روح الإنسان مانفخت من الروح الإلهية كما قال الله تعالى: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (الحجر: 29).

ولكن قد أعطى الله إلينا طاقة الإختيار في سلوك الحياة بحسن الظن وحسن الإختيار. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تفكروا في خلق الله ولاتتفكروا في الله).رواه أبو نعيم في الحلية. وهذا الحديث يدل على أن وظيفتنا هي حسن الإختيار فحسب بما أنعم الله علينا من نعمة عبدا له المحتف بالضعف والعجز لاسيما في إدراك ذات الله وأفعاله علينا سبحانه وتعالى من كل قصور ومهما كان قدر الله علينا في لوح المحفوظ.

وأنا لاأعرف لماذا فلاطو من الفلاسفة يعرف أيضا عن هذا المفهوم ويقول “بأن عالم الفكرة هو عين الحقيقة للإنسان”. أكان من الأنبياء قبل بعثة نبينا؟ أو من أولياء الله الصالحين؟ والله أعلم.

البعد الروحي ماأشار إليه نبينا على أهمية التنبه به

وهذه الحقيقة الإنسانية الروحية لها أهمية كبيرة في ديننا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى” وهو الحديث ما يتعلق بالنية والنية من عمل القلب الروحي. وجعل الإمام النووي هذا الحديث في أول كتابه “الأربعين النووية” وهو كتاب ما يجمع فيه الإمام النووي الأحاديث في أصول الدين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ما رواه مسلم في صحيحه “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. هذا الحديث أيضا مايدل على أن القلب والجسد يتصلان وويتأثر بعضهما بعضا والقلب مبدأه.

ولهذا أيضا يجعل العلماء من الفقهاء النية ركنا من أركان الصلاة-الصلاة عماد الدين وأول مايحاسب به العبد يوم القيامة- وكذالك كل عمل من الأعمال الشرعية الأخرى أن النية ركن الأول للعبادة أي مايبدأ به أعظم أمرنا كالمسلم وهو عبادة العبد لربه.

كيفية الحفاظ على مداومة صلاحية الروح والجسد على منهج شيخ علي مصطفى يعقوب 

قد علّمنا القرآن والحديث والعلماء الحفاظ على ذلك بأنواع الكيفيات منها:

أولا: ذكر الله ومراقبته والتنبه بأن كل شيئ وسيلة لعبادة الله. قال الله تعالى (اذكر الله ذكرا كثيرا) وقال الله فى كتابه (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) لأن اطمئنان القلب وسيلة لإدراك العقل وبمراقبة القلب يزداد الإحتياط من كل ما لايصلح لنا وقد قال الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فبنصب الإنصاف في فكرنا أن وجود الخلقية لعبادة الله فما عملنا شيئا إلا يبدأ بههذا المبدأ.

ثانيا: حب النبي. كما أشار به شيخنا علي مصطفى يعقوب (كن خادما لرسول الله).

ثالثا: تعلم العلم ومدارسته كل يوم. كما أنصح به شيخنا علي مصطفي يعقوب لطلابه (نحن طلاب العلم الى يوم القيامة).

رابعا: مجالسة العلماء والصالحين في مجالس علمهم والمساجد كما أمر الشيخ علي مصطفي لطلابه (استقم في الدراسة وصلاة الجماعة) و (نحن طلاب العلم إلى يوم القيامة) لأن مجالسة الصالحين أثر صالح عظيم في القلب وكذا في النفس بقدوتهم.

وهذا كله إنما أقصد العرض له في باب نشر العلم والمعاونة على تذكار أنفسنا مما فقدته الحضارة الإنسانية الحادثة ماجاء به الغرب العلماني من الإهتمام بصلاحية القلب حتى نسلم منه. لعل الله يوفقنا للخير كله. آمين

وأخيرا قد قال الإمام الشافعي في ديوانه أن المحب لمن يحب مطيع لا محالة

تَعصى الإلهَ وأنتَ تُظْهِرُ حبَّه # هذا مُحال في القياس بديعُ
لو كان حبُّك صادقا لأطعتَه # إن المحب لمن يحب مطيعُ

وَفّقَنَا اللهُ لحبّه ويحفظنا من كل بلاء عصيانه ويرحمنا ويغفرنا لما مضى من ذنوبنا ويكفّر عنّا سيئاتنا ويحشرنا مع عباده الصالحين في جنته والله معين لي على طاعته ولكم والحمد لله رب العالمين

Similar Posts